بقلم: أ. ياسر صالح
مع تواصل إجرام الاحتلال بحق أبناء شعبنا الأعزل والمهجّر، اشتدت سواعد المجاهدين وعلت قبضاتهم في سماء فلسطين، وحناجرهم تزأر "باسم الله، الله أكبر" مدوية من رأس الناقورة إلى أم الرشراش، فكان الفعل يبرهن القول بالدم والأشلاء، وكان الشعار الأسمى في كل وقت وحين "الواجب قدر الإمكان".
وامتثالًا لما سبق قطع أبناء الجهاد الإسلامي على أنفسهم عهدًا ووعدًا أن يثأروا من محتل أرضهم وعدوهم بضربة مؤلمة موجعة ضد الجنود الصهاينة المدججين بالسلاح، ليكون الجرح أشد نزفًا في قلب الكيان الزائل، فكان صباح الأحد الموافق 22/01/1995م كابوسًا كلما حلت ذكراه توجع العدو وسُمع صوت أنينه، كيف لا وعملية بيت ليد البطولية (الشارون) تعد أضخم عملية في تاريخ الصراع حسب اعتراف العدو، وأول عملية تفجيرية مزدوجة.
عملية بيت ليد من العمليات النوعية والإبداعية التي حطمت نظرية الأمن الصهيوني، فرغم كل الاحتياطات الأمنية استطاع المجاهدان أنور سكر وصلاح شاكر الوصول إلى بيت ليد بأحزمتهما الناسفة التي أعدّها وجهزها المهندس محمود الزطمة حيث تجمع جنود الاحتلال صبيحة الأحد للتوجه لقواعدهم العسكرية.
ونصت الخطة على أن يتقدم أحد المجاهدين ويفجر نفسه بين الجنود وينتظر الآخر حتى يتجمع الجنود لتقديم المساعدة للمصابين، وبالفعل تقدم أنور وتلاه صلاح بعد دقائق لتوقع هذه العملية 22 قتيلًا و66 مصابًا بجروح مختلفة.
شاهد العالم أجمع عبر شاشات التلفزة والصحف حجم الخوف الذي تملك قلوب الجنود الصهاينة في مكان العملية، وحجم البكاء والصراخ بشكل هستيري حيث أينما أبصروا شاهدوا دماءً وأشلاءً.
وعقب عملية بيت ليد خرج رئيس حكومة الاحتلال آنذاك إسحاق رابين مهددًا قائلًا: "لا سبيل لمواجهة من اختار الموت، وإن الجهاد الاسلامي يستهدف جنودنا، وكذلك يعمل على عرقلة مسيرة السلام".
لم يُلق أبناء الجهاد الإسلامي بالًا لتهديدات العدو، لذا وبعد أن تبنّى الأمين العام المؤسس د. فتحي الشقاقي العملية بشكل رسمي، قرر رابين اغتياله، فما كان من الشقاقي إلّا أن رد عليه قائلًا: "حارس العمر الأجل، وأنا عشت أكثر مما أتصور".
وأقدم العدو الصهيوني على اغتيال قائد الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي "قسم" آنذاك، والمسؤول المباشر عن عملية بيت ليد الشهيد محمود الخواجا بتاريخ 22/06/1995م، ثم ارتكب حماقة أخرى باغتيال الأمين العام المؤسس د. فتحي الشقاقي في مالطا بتاريخ 26/10/1995 وهو أول أمين عام فلسطيني يتم اغتياله.
ومن الجدير ذكره أن الاحتلال لا زال يحتجز جثماني الاستشهاديين أنور سكر وصلاح شاكر حتى يومنا هذا، فيما يواصل اعتقال الأسير المجاهد عبد الحليم البلبيسي المسؤول عن إيصال المجاهدين الاستشهاديين إلى مكان العملية.
ولوقع عملية بيت ليد البطولية على الاحتلال وجنوده وذويهم، أُقيم أكبر نصب تذكاري في الكيان لقتلى هذه العملية حيث يتم استضافة بعض الزوار الأجانب والصهاينة ليتحدثوا لهم عن فعل الجهاد الإسلامي والمقاومة الفلسطينية بحق جنودهم.